قدمت مي زيادة العديد من الإسهامات الأدبية خلال رحلتها الفكرية، بيد أنها كرست الجانب الأكبر من حياتها لخدمة بني جنسها من النساء، ويعد كتاب «ظلمات وأشعة» أحد المؤلفات النسوية الرائدة التي ساهمت بها الكاتبة في النصف الأول من القرن العشرين، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات الأدبية التي ألقتها مي زيادة في موضوعات مختلفة بمناسبات عديدة، وتولي مي في هذا الكتاب اهتمامًا كبيرًا بقضايا المرأة الشرقية، فتركز على توعية المرأة بممارسة حقوقها المجتمعية كحقها في الحياة الكريمة والحرية، كما تناقش الكاتبة كيفية مساهمة المرأة في العصر الحديث في التقدم الحضاري والاجتماعي والسياسي والثقافي في الشرق، كل ذلك تستعرضه كاتبتنا بأسلوب بديع وأخاذ بعيد عن التكلف.
يسعى كلٌ منَّا في حياته لتحقيق غايته المرجوة، وأهدافه المنشودة، يدخل معترك الصراعات ويخوض غمار الحروب لتحقيق هذه الغاية، وعلى اختلاف دوافعنا، ومعتقداتنا، وأفكارنا، نسعى جميعًا لغاية واحدة، وهي: «السعادة»، السعادة التي حُرمها الناس طويلاً، فازدادوا شوقًا إليها، وإصرارًا على المواصلة لتحقيقها. والسعادة في حقيقتها هي تطور متتابع نحو حالة تكتمل عندها كلُّ القوى كاملةً وافيةً بأقلِّ ما يُمكن من المقاومة والألم. وليست الفاجعة في عدم بلوغ هذه الغاية، إنما الصعوبة الموجعة هي عدم وجود الغاية، وكاتبتنا المبدعة هنا «مي زيادة» تخاطب المرأة العربية في هذه المحاضرة، وتعايشها آلامها، وتحاول أن تصف لها الدواء ببثِّ روح جديدة في عروقها، وحثها على البحث عن غاياتها التي أضاعتها وهي أقرب إليها من أيِّ شيءٍ.
يتميز أدب الرحلات عند الدكتور محمد حسين هيكل عن غيره من المهتمين بذات النوع من الأدب، أنه أدب يتجاوز مجرد كونه رصدًا باردًا للأماكن أو وصفًا أجوفًا للطبيعة، إذ ينصرف اهتمامه إلى الموقع السياسي والاجتماعي والثقافي للأمم. إن هذا الطراز الفريد من الكتابة يعكس رؤية إنسانية حضارية، إذ أن هيكل لا يبدي فقط اهتمامه بعالم الأشياء بل ينصرف إلى عالم الأشخاص والأفكار، ليقدم للقاريء صورة متكاملة غير مختزلة عن الحياة الإنسانية، بكل ما فيها من تراكيب وبنى.
يستعير الكاتب في هذا الكتاب من عالم المعرفة أوراقًا؛ لكي يكتب فيها رسائله الأدبية والأخلاقية والتاريخية والفلسفية، وقد جاءت هذه الرسائل ثمرةً لأوقات فراغه. ويميز الكاتب في الجزء الأول من كتابه بين النقد الذاتي والنقد الموضوعي، وينتصرُ للنقد الذاتي في مقابل النقد الموضوعي، ثم يعقد مقارنةً بين الناقد العربي والناقد الغربي موضحًا أوجه المفاضلة بينهما، كما يتناول سيرة عدد من الكُتَّاب الذين زخرت بهم ميادين الفكر والأدب، ويبرزُ مكانتهم الفكرية التي عَلَتْ بعلو الإرث المعرفي الذي تناقلته الأجيال، ثم يَعْبُر الكاتب في الجزء الثاني من كتابه إلى صفحاتٍ من تاريخ مصر يعرض فيها الإرث الحضاري والأثري الذي أضاء مَفْرِقَ حضارتها عبر التاريخ، ويذكر عددًا من ذكريات الصبا ورحيق الشباب، ثم ينتقل في الجزء الثالث والأخير من الكتاب إلى بحر المعارك الأدبية التي دارت بين القديم والحديث، ويروي لنا مشهدًا من مشاهد الحضارة العربية والإسلامية؛ لينهي كتابه وقد حلق بقارئه في عوالم شتى من آفاق المعرفة.
استطاع الكاتب الكبير «محمد حسين هيكل» هنا أن يُقدِّم لنا وثيقة تاريخية وأدبية فريدة في أسلوبها، عظيمة في أثرها، غنية ووفيرة بما تحمله من معانٍ جمَّة، ورُوحانيات عالية، تسمو بالنفس لتطوف بها حيثُ طاف النبي وصحبه. يحمل لنا كثيرًا من المعاني التي جاشت في خاطره أثناء زيارته لمهبط الوحي وموطن الرسالة المُحمدية، فكانت خواطر مليئة بالإيمان تبحر بنا في أعماق الماضي بصورة حديثة. وهذه شهادة لم يكتمها «هيكل»، على خلاف ما كان يعتقد من إيمان عميق بالثقافة الغربية ونبذ للثقافة العربية، وهو أحد مَن كانوا يتَلمَّسون العلم والمعرفة لدى الغرب، ولا يجدون في غيره الفلاح، حتى إذا سطعت أمامه الحقيقة في أسمى معانيها آثر أن يكشفها لأبناء وطنه الكبير، أبناء الأمة العربية والإسلامية.
شكلت كلمة «الموت» المِفْصَل في تعامل المؤلف مع كتابه، فجعلته يُهديه إلى ولده «ممدوح» الذي اختَطفه الموت، كما جعلته يُبدل عنوانه إلى «ولدي» بدلًا من «خلال أوروبا» الذي كان يعتزِم تسمية الكتاب به أملًا في تقديمه ككتابٍ سياحي يُهديه إلى زوجته احتفَاءً بزيارتهما لأقطار أوروبا شرقًا وغربًا. وقد تجلت ملكات محمد حسين هيكل الإبداعية حينما أشرك البلدان التي زارها في استحضار مأساة ولده؛ فيذكر مدينة ميلانو التي اسْتَرعَت انتباهه قبورها التي عُدَّت معلمًا فنيًا يبرهن على وجهٍ من وجوه الإبداع الإيطالي، ثم يعرض لنا مشاهد أخرى لبلدانٍ زارها وكأنه يتجول بعين السائح المستكشف، وقلب الأب الجريح، وقلم الأديب المبدع.
مجموعة من المقالات الاجتماعية والسياسية والدينية، حرص «المنفلوطي» من خلالها على معالجة شئون المجتمع. فعلى الصعيد الاجتماعي — الذي استأثر بالقسم الأكبر من كتاباته — دعى للإصلاح، والتهذيب الخلقي، والتحلِّي بالفضائل، والذود عن الدين والوطن، ونادى بضرورة التحرر من الخرافات والجهل والخمول والكسل. كما خصَّ المرأة بمقالتين؛ أكد فيهما على مكانتها وأهمية دورها في الحياة. وفي المجال الديني؛ رثى لبُعد المسلمين عن دينهم، وعزا ضعفهم إلى البعد عنه. كما ثار على الخرافات التي ابتدعها المسلمون؛ مثل: تقديم النذور للأولياء، وبناء الأضرحة على القبور، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان. وسياسيًّا تحدث عن القضية المصرية ووصف حال الأمة المصرية المنقسمة آنذاك، كما أشاد بالزعيم الوطني «سعد زغلول» واصفًا إياه بأنه «منقذ الأمة».
يصل كتاب «السحاب الأحمر» بين جزئين هما؛ «أوراق الورد» و«رسائل الأحزان» ليكون واسطة العقد وذروة حكاية الرافعي مع قلبه الذي تمنى ثم أحب ثم ابتلي بالجفاء. ويبين الرافعي في هذا الجزء من حكايته مقدار التضاد بين حالة المحبين أثناء الوصل وبعد القطيعة، مؤكدًا ألا خصومة أشد وأعنف من خصومة متحابين تباغضا. ويصور الرافعي في هذا الكتاب أثر البغضاء الناشبة على ما نبت وشب في وقت الوصل، فتأتي الكراهية حارقة لكل أمل رعاه الحب، وتسود مرارة الألم لتطغى على حلاوة الذكرى فكأنها لم تكن. كما يشير الرافعي إلى تولد الجفاء من التهمة، والظن، والخداع في الحب، ثم ينتقل للحديث عن فلسفة البغض وطيش القلب ولؤم المرأة. وقد رسم الرافعي من خلال بلواه حالة القلب الإنساني الذي يقع أسير الحب من غير أمل، لا في وصلٍ ولا في شفاء، فلا يملك إلا أن يصيح بكل ما فيه من ألم النفس منذرًا بكراهية ضعيفة لن تكتمل أبدًا ناحية المحبوبة.
على أوراق الورد ينثرُ الرافعيُ في كتابه قطرات من ندى العشق الممزوج بعطر جمالِ محبوبتيه في صورة طائفة من الخواطر المنثورة في فلسفة الحب والجمال التي أنشأها؛ ليصف حالةً من حالاته ويثبت تاريخًا جديدًا في سطور حياته عنوانه رسائل من محبٍ إلى محبوبتيه، وقد أشار الرافعي أنه لم يُفْرِد هذه الرسائل لمحبوبته الأولى، وإنما أشرك معها حبيبته اللبنانية التي اشتق من وحي جمالها ألفاظ كتابه حديث القمر؛ فهو يمزجُ في هذا الكتاب بين فلسفة الحب وبين صوفية النظرة في طلب ذلك الحب، ويحملُ من خلاله طاقة إبداعية تصور بلاغة فن الإنشاء في وصف لغة الحب الوجداني. ويجمع الرافعي في هذا العمل بين ملكة الأديب الذي يصوغ أحاسيسه ومشاعره ويودعها في قالبٍ فني، ومنطق الفيلسوف الذي يرى أن ذروة المنطقية في الحب كامنة في عقليته.
أثار كتاب الشعر الجاهلي ﻟ «طه حسين» موجة عاتية من النقد والجدال الذي أخذ عدة نواحي فكرية ودينية وأدبية، وتسببت بعض الأفكار الجامحة الواردة في الكتاب في اتهام مؤلفه بالكفر والزندقة، ولما كان منهج الأدباء والمفكرين في الرد على خصومهم يلجأ لمقارعة الحجة بالحجة، وعرض الحقائق والأفكار فقد انبرى عدة مفكرين كبار لتفنيد ما جاء بهذا الكتاب وكان «الرافعي» أبرزهم، حيث انتصر للدفاع عن تراثنا القديم كما بين بعض المغالطات التي ذكرها حسين، وقد ارتكز المؤلف في دفاعه على ذخيرته من الثقافة الإسلامية خاصةً آيات القرآن الكريم وتفسيره، فكان هذا الدفاع تحت راية القرآن العظيم.