جمع «عبد الوهاب عزام» في هذه «الأوابد» عظيم إنتاجه، وأوفر أدبه، وأحسن نظمه ونثره، وأزكى ما صفت له روحه، فكانت بحق أوابد مجتمعات على غير ميعاد، فتجد بها إلى جانب المقاصد الإنسانية الشاملة نزعات إسلامية، وأخرى عربية قومية، وغيرها تاريخية. وهي بهذا ليست متنافرة الوجدان، إنما هي صورة من الجمال والحق والخير ومكارم الأخلاق تتمثل في كل شئون الحياة أحيانًا، وتتجسد في تاريخ الإسلام ومآثر العرب أحيانًا أخرى. وﺑ «الأوابد» مُتَّسع لصفاء النفس، وغدوات الروح، وسوانح الفِكر؛ فهي كلمات صادقات أراد بها الكاتب الحق والخير والصلاح والإصلاح، ونظمها بأسلوبه الفذ لتناسب عموم القُرَّاء، جامعًا بها أشتاتًا مما جاد به خاطره هنا وهناك.
ثلاثُمائة وخمسٌ وستون خاطرةً موزَّعةً على أيام العام، لم تكن «شوارد» بقدر ما كانت «شواهد» على قدرة صاحبها على الإمساك بالفكرة العابرة وتسجيلها بأريحيَّة بارعة وصدق بالغ. في الحادي عشر من أبريل سنة ١٩٥٠م بدأ «عبد الوهاب عزَّام» تدوين خاطرته الافتتاحية حاثًّا نفسه وقارئه على مباراة الأيام ومسابقة الزمان في نصرة الحقِّ وتحقيق النَّفع، وهكذا فعل. فرغم انشغالات المؤلِّف العظيمة باحثًا ومترجمًا وناظمًا، فضلًا عن أعبائه الدبلوماسيَّة كسفير لمصر في الخارج، إلا إنه استطاع أن يدوام على كتابة خاطراته يوميًّا طوال عام كامل، وكان يُعوِّض أوَّلًا بأوَّل ما يفوته تدوينه في حينه، حتَّى اختتمها في ١٠ أبريل سنة ١٩٥١م. في شوارد عزَّام نطالع ما يمكن أن نَعُده مذكِّرات شخصية آراء نقديَّة أدبيَّة واجتماعيَّة وسياسيَّة، وحكمة رجلٍ مثقَّف من الطراز الرفيع.
يتطرق الأديب والناقد الكبير عبد الوهاب عزام في كتاب «الصلات بين العرب والفرس» إلى مساحات تاريخية مجهولة لجمهور القراء، ويستعرض التاريخ المتشابك بين العرب والفرس، وذلك منذ مرحلة ما قبل الإسلام مرورًا بمرحلة الفتح الإسلامي لفارس ووصولًا للعصر الحديث. وقد انقسم الكتاب إلى ثلاثة أقسام، يناقش القسم الأول تاريخ الفرس وآدابهم قبل الإسلام، ويتناول القسم الثاني الصلات بين الفرس والأمم السامية عامة والعرب خاصة، أما القسم الثالث فيتطرق إلى الصلات بين العرب والفرس فيما سماه المؤلف بالعصور الأساسية. ومن الجدير بالذكر أن الخلفية الأدبية لمؤلف الكتاب جعلته يصب تركيزه الأساسي على مجالي اللغة والأدب في هذا التاريخ.
يعد «بنو عَبَّاد» أعظم ملوك الطوائف، وأفسحهم ملكًا، وأبعدهم صيتًا، وأكثرهم ذكرًا في التاريخ والأدب. وقد قامت دولتهم في إشبيلية سنة ٤١٤هـ، ثم اتسعت فيما بعد وشملت ملك «بني حمود» في الجزيرة، وملك «بني جهور» في قرطبة، وامتد في الشرق حتى مرسية. وقد دامت دولتهم سبعين سنة، وكان «المعتمد بن عباد» أشهر من تولى الحكم فيها، كان شابًا شاعرًا يحب الأدب، ويجمع في بلاطه كبار الشعراء والأدباء أمثال؛ ابن زيدون، وابن اللبانة، وابن حمديس الصقلي، وقد كانت زوجته «اعتماد الرميكية» هي الأخرى شاعرة. وقد وضح لنا عبد الوهاب عزام في هذا الكتاب حياة هذا الملك الشاعر وأبرز مآثره الأدبية والتاريخية التي تركها، فأفاض وأفاد، وجمع فأوعى.
كان للسلطان الغوري ملك واسع يضم مصر والشام وبلاد العرب وبلادًا أخرى واقعة في القسم الجنوبي من آسيا الصغرى. وقد بلغت الأساطيل المصرية في عهده سواحل الهند، وقد حافظ الغوري على هذه الرقعة الجغرافية الواقعة تحت حكمه، واستطاع أن يدافع عنها ضد غزوات المستعمرين خاصة البرتغاليين. ورغم جميع هذه الشواغل السياسية والعسكرية للسلطان الغوري فإنه كان صاحب اهتمام كبير بالأدب والعلم، واشتهر بمجالسة العلماء والأدباء والفقهاء. لذلك اهتم الدكتور عبد الوهاب عزام في هذا الكتاب بذكر ما جاء في تلك المجالس من أحاديث تصور بعض النواحي الفكرية والاجتماعية في مصر والعالم الإسلامي في ذلك العصر.
«المرأة» ... هذا المخلوق الذي دارت حوله الدوائر؛ فأصبح كالكوكب يجذِب الأقمار إليه ولا يلحقوا به. و«العقاد» هنا يرى المرأة وقد استحوذت على مدارات الحياة، وشغلت العقول، وبلغت سيرتها الأفق؛ فيحاول أن يُعيدها لطبيعتها الأنثوية بعد أن جرَفتها الحضارة المادية عن كل ذي صلة بأصلها. فقد أرَّق العقاد وضعُ المرأة بعد أن عايش خروجها عن دائرتها التي خُلقت من أجلها؛ فأصبحت لا تريد أن تكون زوجة، ولا أُمًّا، بل شعرت بأن عاطفتها وحُنُوَّهَا على من حولها أصبح دورًا لا يليق إلا بالعبيد والإماء. حتى إن الكاتب وصف عصره بـ«عصر المرأة».
من أحد تعريفات الثقافة أنها مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والمعارف التي تميز جماعة ما، والعرب هم جماعة بشرية يُنسب أصلها إلى «يعرب بن قحطان» على أرجح الأقوال، وقد أنتجت هذه الأمة — خلال حياتها — ثقافة من أقدم الثقافات التاريخية؛ فطوَّروا أبجديتهم الخاصة للكتابة ليأخذها أهل الأمم الأخرى منهم فأنتجوا أبجدياتهم الخاصة، كما نقلوا بعض الكلمات العربية إلى لغاتهم. أما الشعر العربي، فقد أصبح فنًّا مستقلًّا له قواعده الخاصة وبحوره المعروفة، في وقت كانت الفنون المماثلة عن الأمم الأخرى مجرد نصوص لا تلتزم الوزن أو القافية، وترتبط بالغناء بشكل كامل. وخلال رحلتنا مع صفحات هذا الكتاب سنرى إسهامات العرب الكبيرة في الثقافة الإنسانية؛ تلك الإسهامات التي لم تترك مجالًا ثقافيًّا إلا وكان لها فيه سهم، بدايةً من الفنون وانتهاءً بالفلسفة والحكمة.
كانت الشريعة الإسلاميَّة أولى الشرائع السبَّاقة إلى تقرير الديمقراطيَّة الإنسانيَّة؛ وهي الديمقراطيَّة التي يكتسبها الإنسان كحقٍّ له يُخَوِّله أن يكون فاعلًا في اختيار حاكميه، وليست مجرَّد حيلة من حيل الحُكم لاتقاء شر أو حسم فتنة. وبعد أن تفاقم تَوْق شعوب المنطقة العربية التي يدين معظمها بالإسلام إلى الحُرية، كان حَرِيًّا بها أن تنهل مما قدَّمه «العقاد» من تعريف وتفسير وتحليل لأصول «الديمقراطية في الإسلام»، فهو يتناول شتى مفردات تلك الديمقراطية، شاملةً مجالات: الاقتصاد، والاجتماع، والأخلاق، والتشريع، والسياسات الداخلية والخارجية، ويَخلُص المؤلِّف في النهاية إلى أن للإسلام ديمقراطيته الخاصة، التي تتفرَّد بمبادئ وغايات تمنح مطبِّقيها رؤية أوسع وأكثر شمولًا، تخرج بهم من الصِّيَغِ المحليَّة الضيِّقة، إلى الصِّيغة الإنسانيَّة، بل العالميَّة.
يُعدُّ القرن العشرون أكثر فترات البشرية ثراءً في الأحداث التاريخية الهامة؛ فخلال أقل من نصف قرن قامت فيه حربان عالميتان التهمتا الأخضر واليابس، وأكلتا زهرة شباب الملايين، كما ألقيت أول قنبلة ذرية لتُفني الآلاف لحظة الانفجار. كما زخر بتغيرات كُبرى في مجالات الحياة الإنسانية دشنتها النظريات العلمية، والفلسفية، والسياسية، والمخترعات الحديثة، ليظهر التناقض جليًّا في مُراد الجنس البشري، فتارة يعكف على علوم الذرة ليُخرج منها طاقة رهيبة يقتل بها إخوته، وتارة أخرى يستخدم تطبيقات ذلك العلم ليصنع أدوية لأمراض حَارَ العلماءُ في مداواتها زمنًا طويلًا ليصبح السؤال المُلح: هل ينتصر الإنسان على الطبيعة ويروضها بما فيه الخير للبشر، أم يخرج الأمر من يده فيعجل بدمار بيئته؟ ويرصد العقاد خلال صفحات الكتاب ملامح القرن العشرين العلمية، وانعكاساتها على البشر روحيًّا وثقافيًّا وإنسانيًّا.
يُعرف العقاد بأنه كاتب ومفكر رصين، يناقش الجادَّ من الموضوعات، وحتى في كتابه الممتع «جُحَا الضاحِك المُضحِك» لا يتخلى العقاد عن عهده الذي أخذه على نفسه بأن يكون قلمه لتنوير مجتمعه ومصلحة قارئه؛ فيقدِّم دراسة شاملة عن الضحك إيمانًا منه بأهميته، متسائلًا: لماذا نضحك؟ وما هي فلسفة الضحك؟ ويسوق آراء بعض الفلاسفة وعلماء النفس والأطباء عن أسباب الضحك وماهيته وأسبابه النفسية والبيولوجية. كما يتطرق لذكر الضحك في الكتب الدينية كالقرآن والإنجيل والتوراة، ويعرض أيضًا نظرة الناس عمومًا إلى الضحك، ذاكرًا بعض النوادر الطريفة المُنتقاة من تراث الأمم، ثم يحلل أهم الشخصيات التاريخية الضاحكة التي أضحكت الناس بنوادرها وذكائها حينًا، وغفلتها حينًا آخر، وهي شخصية «جحا»، حاكيًا أشهر نوادره ومتتبعًا لهذه الشخصية عبر التاريخ، ومتسائلًا أكانت شخصية حقيقية أم نسجًا من الخيال؟